شي فاشل (1983)

مسرحية شعبية تحكي عن الفلكلور اللبناني والزجل والتراث والتقاليد، تحكي عن ثورة على طريقة تعلق الشعب بتراثه وتقاليده، وبنفس الوقت يناقض نفسه في طريقة عيشه.

تعتبر مسرحية شي فاشل لزياد الرحباني واحدة من روائعه من الناحية الفنية الإخراجية، المسرحية كتبت في سنة 1983 أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، بيروت مشتعلة، الرصاص يتجول في الشوارع، قناصون متربصون في ابراجهم العالية، اجواء الحرب والاقتتال الطائفي وحدها السائدة.
يتحدث العمل عن مخرج “نور” ( مؤلف النص المسرحي و ملحن الأغاني) يريد عمل مسرحية عن لبنان “جبال المجد” الذي يمثله بضيعة على شاكلة الضيعة الرحبانية المعتادة بشخصياتها النمطية المألوفة: من المختار، الشاويش والصبية”.
عمل “نور” المسرحي “جبال المجد” هو قصة ضيعة “تمثل لبنان” تعيش بمحبة و سلام ، يتواجد فيها الكروم والمواسم، يعيشيون بسعادة، يوجد في هذه الضيعة جره موجوده في مركز الساحة وهي تمثل كل شيء بالنسبة للاهالي، في أحد الأيام يأتي الغريب و يسرق الجرة ما يحدث أن الأخوه “أهل الضيعه الواحدة” يختلفون و يشكون ببعضهم.


المسرحية تتحدث عن فرقة تتدرب على اخراج عمل مسرحي حول الغريب الذي يوقع بين أبناء البلد، والجرة، والفتاة التي تهب نفسها للوطن ، وهكذا رومانسيات من “ضيعة وشلال وأرز وعين وأبو الزلف ودلعونا”، لكن المسرحية لم يكتب لها النجاح، لأن ممثلي المسرحية “التي تقدم الضيعة كجنة للمحبة”، هم في الواقع لا يحبون بعضهم و لم يتجاوزوا رواسب الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975 (لأسباب طائفية بحتة).


نور (زياد الرحباني) يقوم بإخراج مسرحية وسيقدمها أولاً بالمنطقة الغربية لبيروت المقسمة في فترة الحرب الأهلية، معادلة الغريب الذي يوقع بين أبناء البلد، هي أحد الأجزاء المضحكة في نظرية المؤامرة، التي تحول أبناء البلد الى ملائكة مفترضين، ولولا دخول “الغريب” بينهم لما اختلفوا قط، مع أنهم من أديان مختلفة وطوائف مختلفة وأحيانا من شعوب مختلفة “عرب أرمن سريان ألخ ..”، وهذا تسطيح مضحك ومحزن في ذات الوقت للخلافات الاجتماعية والسياسية التي تحصل في البلد.
الأمور الاخراجية تتعثر وفي واحدة من هذه العثرات، الفني الذي يريد صنع الشلال من الجبصين لضرورات الديكور، يصر على الحصول على قياس الأضوية التي ينبغي تركيبها على الشلال حتى يصنع لها الثقوب المناسبة ، بينما يصر الكهربجي على الحصول على الشلال حتى يقوم بتركيب الإضاءات المناسبة … وهكذا يستمر الجدل حتى نحصل على شلال مسخ وصغير جدا لا يصلح لشيء.
في “شي فاشل” التي يتطرق فيها زياد فيها إلى الموضوع الذي يعرفه جيداً: واقع السيكولوجيا الجماعية اللبنانية المتناقضة مع الادعاءات الأيديولوجية الوهمية التي تتحدث عن مجتمع لبناني متماسك متحاب لا توجد فيه حتى الطائفية!
وأياً كان حكمنا على البنية العامة للمسرحية الزيادية فلا بد من ذكر تألق زياد الدائم في الحوار العفوي والسلس الممتلئ بالنكات اللاذعة وابتعاده الدائم عن كل مثالية في رسم الشخصيات ولعل هذا ناتج عن سمة شخصية فيه أهم ميزاتها الصدق وانعدام “المزاودة

حاول زياد في مسرحيته “شي فاشل” ان يحدد من هو الغريب في لبنان وان يجمع شخصيات المجتمع اللبناني على مختلف اطيافه ويظهر مدى عمق الهوة الطائفية بينهم فسمعنا في عرضه، المسيحي يتصارع مع المسلم من اجل رئاسة فرقة رقص. و هنا استعير احدى الجمل “قال بدو فرقة مختلطة .. ليش هني بيختلطتوا يا أخي…. اذا بدك تعطي ملاحظه لجوزيف ؟ أعطي ملاحظه لعبد دغري وراها .. بدك تعطي لباولا تعطي دغري لايمان”.
المسرحية فيها نقد جريئ لتجربة الرحابنة “عاصي و منصور”، خصص زياد مسرحيته للسخرية من التراث ومن المدرسة الرحبانية و يلجأ لأجل هذا الغرض إلى خلق مشهد لا معقول في مسرحية واقعية هو مشهد هجوم يقوم به “أبو الزلف” بالذات لتخريب مشروع مسرحية رومنسية تزيف الواقع اللبناني.
هجوم يلخص الفكرة الرئيسية للعمل و الرسالة التي أراد زياد ايصالها و تعد بمثابة رصاصة الرحمة على “جبال المجد” عندما يقوم زياد أبو عبسي “أبو الزلف” بتحدي المخرج ” نور” أن يذهب معه إلى ضيعة لبنانية واقعية في الجبل؟ ويتوسل إليه نور ألا يجبره على الذهاب لأنه مسيحي والضيعة درزية وهو يخاف على نفسه. (كانت حرب الجبل حديثة العهد عند تقديم شي فاشل).
“أبو الزلف” يهزأ من زيف صورة ضيعة “جبال المجد” للمخرج نور ومثاليتها وابتعادها عن واقع القرية اللبنانية الفعلي حيث تم استبدال جرن الكبة بالمولينكس ولا أحد لديه الوقت للجرن، وأبو الزلف لا يلبس الشروال بل أسس شركة لبيع “الجينز”من زبائنها “المير بشير”. ثم يصف أبو الزلف المخرج بالكذب والانتهازية لأنه يتحدث عن “الغريب” في المسرحية تاركاً المجال للجمهور في بيروت الغربية لتأويله بأنه “إسرائيل”وللجمهور في بيروت الشرقية لتأويله بأنه الفلسطيني،علماً أن المخرج بالذات لا يتردد في أخذ “بونات بنزين” من الفلسطينيين ولا في كتابة نشيد حزبي مدفوع الأجر… القصة إذاً عن مسرحية داخل المسرحية وهي الشيء الفاشل. أما الغريب فكلٌّ يفهمه بطريقته فتارة هو إسرائيل وتارةً أخرى هو الفلسطينيين.

من خلال هذه الخربشة أردت التركيز على رؤية زياد للتراث الفني المحلي، من أبو الزلف و الميجانا و الدلعونا، وكان قد بدأ بطرح هذا الموضوع في مسرحية “نزل السرور” حيث يسخر على لسان بركات “المطرب” وقيصر “الملحن” من التراث… ومن “شلح الزنبق” و”نبع المي” و”الطير الشادي” و”كتف الوادي” وإلخ.. “أبو الزلف” و”دلعونا” ينتميان حقاً إلى التراث أما التعابير الأخرى فتنتمي إلى المدرسة الرحبانية التي يبدو أن زياداً لا يفرقها عن التراث.
من خلال هذا العمل نفهم أن زياد ينتقد بشكل لاذع الرؤية الاجتماعية الطوبوية للأخوين رحباني وتصورهم للقرية اللبنانية وعلاقاتها الاجتماعية ولعلاقات أهلها بالطبيعة، تصوراً مثالياً للبنان “أخضر حلو” انفجر في الواقع عام 1975 ويهزء من مفرداتها ورؤيتها للواقع اللبناني لذلك كرس له مسرحية “شي فاشل”.

المراجع
زياد الرحباني بين الوعي التاريخي-السياسي والوعي الفني ـ محمد شاويش.
باسل يونس- الجمل بما حمل

اترك رد